إعصار سياسي في فرنسا: هل سيستقيل ماكرون لتفكيك الأزمة؟

تشهد فرنسا أزمة سياسية غير مسبوقة، بعدما فقدت حكومة بارنييه ثقة البرلمان، وذلك بعد أيام قليلة من تعيينها من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون. الأزمة تفجرت نتيجة وجود مجلس تشريعي تسيطر عليه قوتان معارضتان: اليسار واليمين المتطرف، ما جعل الحكومة الجمهورية في وضع أقلية.
الأزمة التشريعية وحجب الثقة
الرئيس ماكرون ارتكب خطأً استراتيجياً عندما حلّ البرلمان في محاولة لمواجهة صعود اليمين المتطرف، ممثلاً بحزب “التجمع الوطني”، خلال الانتخابات الأوروبية والتشريعية الفرنسية. لكن النتائج جاءت بعكس المتوقع، حيث أدى ذلك إلى حجب الثقة عن الحكومة.
هذا المأزق وضع فرنسا، ولأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، أمام خيارات صعبة: إما استقالة الرئيس، أو استفتاء على إقالته، أو المضي نحو إعلان الجمهورية السادسة، وهو ما دعا إليه ممثل اليسار الفرنسي، جان لوك ميلونشون.
تحديات متعددة الأبعاد
الرئيس ماكرون يبدو وكأنه وصل إلى نهاية طريقه السياسي. من أبرز الأزمات التي تعصف بفترة حكمه:

  • فقدان النفوذ الفرنسي في إفريقيا.
  • الفشل في إدارة الحرب الأوكرانية، التي وعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحلّها عبر اتفاق مع الرئيس الروسي بوتين، ما تجاهل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالصراع.
  • أزمة الدين العام الفرنسي، الذي بلغ 1000 مليار يورو.
  • الركود الاقتصادي وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى صعوبة الحياة اليومية ودفع الشارع الفرنسي نحو اليمين المتطرف، كما حدث في إيطاليا.

سياسات متخبطة وحسابات معقدة

قرار ماكرون تعيين حكومة يسارية بقيادة بارنييه، رغم كونه ممثلاً للجمهوريين، اعتُبر تحدياً للأعراف الديمقراطية، وهو ما أثار قلقاً من كشف ملفات فساد تحدث عنها اليمين مراراً. رفض البرلمان منح الثقة للحكومة اليسارية كان ضربة موجعة للرئيس، وكان عليه تقديم استقالته لتفكيك الأزمة.
انعدام الخيارات واستحقاقات مبكرة
فرنسا تواجه الآن خطر دخول عام 2025 دون ميزانية مصادق عليها، وهو ما سيعطل المؤسسات الإدارية والاقتصادية. تعيين حكومة يسارية سيتسبب في تضارب بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، ما سيؤدي إلى مزيد من الجمود السياسي ويفرض انتخابات مبكرة.
المحللون يرون أن الرئيس الأسبق فرانسوا هولاند هو الأوفر حظاً في حال جرت انتخابات مبكرة، حيث يتمتع بتحرر من السياسات “الماكرونية”، ما يجعله قادراً على تحقيق توازن سياسي.
الأبعاد الاجتماعية والسياسية
الصراع الحقيقي في فرنسا اليوم يتجاوز الأزمات السياسية، فهو يتعلق بالمواجهة بين الشركات متعددة الجنسيات والانزلاقات الرأسمالية التي أثرت سلباً على العمال والفلاحين، وهم العمود الفقري للقوة الانتخابية. هذه الفئات باتت تترنح بين اليمين المتطرف واليسار، بعد أن فقدت الثقة بالجمهوريين.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت مواقف ماكرون تجاه حرب غزة بانهيار قيم الجمهورية، ما أعطى اليسار دفعة قوية للعودة إلى الساحة السياسية.
آفاق المستقبل
فرنسا تعيش حالة من التيه السياسي والانهيار الاقتصادي، تتفاقم بسبب السياسات الأمريكية المتطرفة في مواجهة الصين. الدبلوماسي الفرنسي دومينيك دو فيلبان يرى أن الحل يكمن في “هبة أوروبية” تعيد بناء السياسة على أسس تفك ارتباط أوروبا بالولايات المتحدة.
حتى يستقيل الرئيس ماكرون أو يجد حلاً جذرياً للأزمة، ستظل فرنسا في حالة انسداد سياسي يصعب الخروج منها. الأيام القادمة قد تحمل تطورات كبيرة تُعيد ترتيب الأوراق على الساحة السياسية الفرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى