
فضيحة تجسس في فرنسا
في مساء يوم الأربعاء 12 مارس، انتشرت أنباء مثيرة في غرف تحرير وسائل الإعلام الفرنسية:
“موظف في وزارة المالية الفرنسية يخضع للتحقيق بتهمة التجسس لصالح الجزائر”، تصدرت العناوين في الصحف الفرنسية على مواقعها الإلكترونية.
عنوان مثير يوحي بأن الأمر يتعلق بالتجسس الاقتصادي، وهو مجال لم يُطرح منذ فترة طويلة.
لكن بعد دقائق، كشفت التقارير الأولية عن حقيقة مختلفة تمامًا: عملية فاشلة أخرى لأجهزة المخابرات الجزائرية، التي يبدو أن مهمتها الرئيسية هي ملاحقة المعارضين للنظام.
وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية، أوضح الادعاء العام:
“يُشتبه في أن هذا الرجل كان على اتصال منتظم بشخص يحمل الجنسية الجزائرية يعمل في القنصلية الجزائرية في كريتاي، وقام بنقل معلومات شخصية وبيانات عن طلبات اللجوء الخاصة بجزائريين، بمن فيهم معارضون بارزون للنظام.”
كما أشارت مصادر قريبة من التحقيق إلى أن الأسماء المستهدفة تشمل:
- جزائريين صدرت بحقهما مذكرات توقيف دولية بتهم الإرهاب.
- صحفي لاجئ.
- جزائري قدم شكوى في فرنسا ضد جنرال جزائري.
بعض هؤلاء الأفراد كانوا ضحايا للعنف، والتهديدات بالقتل، أو محاولات الاختطاف.
وبدلاً من أن تكون العملية تجسسًا اقتصاديًا، اتضح أنها حملة تهديد وتلاعب من قبل أجهزة المخابرات الجزائرية، التي تسعى إلى جمع معلومات عن طالبي اللجوء والمعارضين السياسيين، وفقًا لمحامي الموظف الفرنسي، سيبان أوهانيان.
لقد كانت خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين توقعوا قصة تجسس مشوقة!
مجد الماضي الذي أصبح ذكرى
لم تكن أجهزة المخابرات الجزائرية دائمًا بهذا الضعف، فقد كانت لها أدوار محورية في الماضي، مثل:
- السبعينيات: قام الضابط الجزائري رشيد تبتي بالتنكر في هيئة أمير عربي لإغواء سكرتيرة في قصر الإليزيه، بهدف الحصول على معلومات حول المفاوضات النفطية بين الجزائر وفرنسا.
- الشرق الأوسط: لعبت الجزائر دور الوسيط بين التنظيمات الفلسطينية واللبنانية والدول الغربية، خاصة في عمليات تحرير الرهائن.
- أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران (1979-1981): حظي دور الجزائر بالثناء الدولي، خاصة من الولايات المتحدة.
- 1987: طلبت أجهزة الأمن الفرنسية مساعدة المخابرات الجزائرية لتأمين احتفالات الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية.
انحدار بلا رجعة
اليوم، أصبح الوضع مختلفًا تمامًا. فقد بلغت أجهزة المخابرات الجزائرية أدنى مستوياتها، سواء داخليًا أو خارجيًا.
في الداخل، أصبح الشعب الجزائري يرفض هذه الأجهزة، كما ظهر ذلك جليًا خلال مظاهرات الحراك، حيث هتف المتظاهرون:
“المخابرات إرهابية، تسقط المافيا العسكرية!”
ولكن لماذا وُصِفَت هذه الأجهزة بأنها إرهابية؟
- خلال العشرية السوداء، عُرِفَت المخابرات الجزائرية بتنفيذ مداهمات ليلية وحشية ضد المواطنين الأبرياء، بحجة البحث عن إرهابيين.
- تعرضت النساء والأطفال وكبار السن للتعذيب والسرقة خلال تلك العمليات.
- تم تسجيل أكثر من 20,000 حالة اختفاء قسري، حيث يُعتقد أن هؤلاء الأشخاص تم إعدامهم داخل ثكنات المخابرات.
من بين الشخصيات المتهمة بارتكاب هذه الجرائم، يبرز اسم الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بلقب ناصر الجين، وهو المدير الحالي للأمن الوطني. وقد كشف شاهد عيان من ضباط الجيش السابقين عن تورطه في العديد من الجرائم، عبر فيديو لا يزال متداولًا على الإنترنت.
أجهزة أمنية تحولت إلى أدوات قمع
منذ وصول الثنائي تبون-شنقريحة إلى السلطة، تخلّت مديرية الأمن الداخلي عن مهامها الرئيسية، مثل مكافحة التجسس وحماية مصالح البلاد، وركزت على:
- ملاحقة المعارضين السياسيين.
- تجنيد جيوش إلكترونية لمهاجمة قنوات يوتيوب وصفحات فيسبوك الخاصة بالمعارضين.
- مطاردة المنفيين السياسيين والصحفيين في الخارج.
كما تم التخطيط لعدة محاولات اغتيال فاشلة، منها:
- في بلجيكا وفرنسا (نوفمبر 2021).
- في برشلونة (17 أكتوبر 2024).
انقسامات داخلية وصراعات على السلطة
لم تعد مشاكل أجهزة المخابرات مقتصرة على فقدان مهامها، بل أصبحت تعاني من انقسامات داخلية حادة وصراعات بين كبار المسؤولين، حيث تم اعتقال عدد من كبار الضباط، بمن فيهم أربعة قادة سابقين للأجهزة الأمنية، وسجنهم في السجن العسكري في البليدة.
يعود هذا الانهيار إلى:
- غياب التكوين والتدريب.
- الفساد والمحسوبية.
- تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات لخدمة المصالح الشخصية.
بدلاً من أن تكون المخابرات الجزائرية درعًا لحماية البلاد، تحولت إلى أداة للقمع والمصالح الشخصية، مما جعلها خطرًا على أمن الجزائر بدلًا من أن تكون حامية له.