منظمة الكرامة ترفع شكوى إلى الأمم المتحدة للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر
إحالة المقررين الخاصين للأمم المتحدة من قبل منظمة الكرامة لجذب الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فضل النظام الجزائري بدلاً من التهدئة زيادة القمع والتصعيد العنيف ضد الشعب.
هذا لم يفشل في جذب انتباه العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الكرامة، التي تتخذ من جنيف مقراً لها. وقد اعتبرت هذه الأخيرة أنه من الضروري والحكيم لفت انتباه المقررين الخاصين في مختلف أقسام الأمم المتحدة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، والدفاع عن حرية التعبير، ومكافحة التعذيب، وذلك أثناء إدانتها لموجة انتهاكات حقوق الإنسان. هذا ما جاء في بيان صادر عن منظمة الكرامة في بيان نُشر في 31 أغسطس الماضي، والذي نعيد نشره بالكامل أدناه.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية في 7 سبتمبر 2024، تعيش الجزائر فترة من القمع الشديد، تتميز بموجة من الاعتقالات التعسفية تستهدف المعارضين السياسيين، والنشطاء المؤيدين للديمقراطية، والصحفيين، والأكاديميين، والمدافعين عن حقوق الإنسان.
يشكل هذا القمع، الذي تقوده السلطات، انتهاكاً صارخاً للالتزامات الدولية للجزائر في مجال حقوق الإنسان، وخاصة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (العهد).
الكرامة تدين بشدة هذا الوضع المقلق الذي يحرم الشعب الجزائري من حقه الأساسي في تقرير المصير، وتعلن أنها ستقوم بإحالة المقررين الخاصين للأمم المتحدة للتحقيق في هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في الجزائر.
القمع في الجزائر: سياق مقلق
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي كان من المقرر إجراؤها في البداية في ديسمبر 2024 ولكن تم تقديمها بشكل مثير للجدل إلى 7 سبتمبر 2024، تعيش الجزائر فترة من القمع الشديد. خلال شهر أغسطس 2024 وحده، تم اعتقال أو وضع تحت الإشراف القضائي العشرات من المعارضين السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والمواطنين العاديين.
من بين أبرز الحالات، حالة كريم طابو، الزعيم السابق لجبهة القوى الاشتراكية (FFS)، الذي تم اعتقاله عدة مرات وفرضت عليه قيود شديدة على حريته، بما في ذلك حظر التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المشاركة في المؤتمرات الصحفية. كما تم وضع علي بن حاج، الشخصية البارزة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS)، تحت الإقامة الجبرية، وتم اعتقال ابنه عبد الفتاح ووضعه رهن الاحتجاز.
أبرز الأستاذ رشيد مسلي؛ مدير منظمة الكرامة: “هاتان الحالتان الأخيرتان تبرزان أيضًا استمرار القمع ضد أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ السابقين، في حين لا يزال العديد من قادة الحزب السابقين محتجزين منذ عدة أشهر لنشرهم بيانًا صحفيًا يدعو إلى الإفراج عن سجناء الرأي واحترام الحريات العامة”.
علاوة على ذلك، يبرز حالة حسين بن حليمة، الذي تم اعتقاله بعد زيارة شقيقه في السجن، امتداد هذا القمع حتى للأقارب المسجونين. حالياً، مئات من سجناء الرأي، بما في ذلك النساء، محرومون من الحرية في الجزائر. تستهدف هذه الاعتقالات بشكل منهجي الأشخاص الذين يعبرون عن آراء ناقدة للنظام، غالباً تحت اتهامات غامضة مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “إهانة الرئيس”.
ومن بين الشخصيات السياسية الأخرى التي تم استهدافها، علي لسكر، الأمين العام السابق لجبهة القوى الاشتراكية، الذي تم اعتقاله في 20 أغسطس 2024 خلال رحلة إلى أوزلاڨن، وكذلك فتحي غارس، منسق الحركة الديمقراطية والاجتماعية (MDS)، الذي تم توقيفه في 27 أغسطس 2024 في منزله. وفقاً لمنظمة الكرامة، تأتي هذه الاعتقالات في إطار استراتيجية متعمدة تهدف إلى القضاء على أي إرادة للمعارضة السياسية المنظمة مع اقتراب الانتخابات.
الاعتقالات لم تستهدف فقط الشخصيات السياسية؛ فقد تم اعتقال عبد الله بن نعوم، ناشط حقوق الإنسان والسجين السياسي السابق المعروف بتنفيذه أطول إضراب عن الطعام في الجزائر، بشكل تعسفي مرة أخرى في منزله في 28 أغسطس 2024.
القضايا القانونية: انتهاكات صارخة لالتزامات الجزائر الدولية
تنتهك الممارسات القمعية في الجزائر بشكل صارخ عدة أحكام من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه البلاد منذ عام 1989. المادة 9 من العهد، التي تحمي من الاعتقالات التعسفية، يتم انتهاكها بانتظام من خلال العديد من الاعتقالات للناشطين والمعارضين دون إجراءات قانونية منتظمة. كما يتم انتهاك المادة 14، التي تضمن الحق في محاكمة عادلة، من خلال الاستخدام المسيء لأمر الحبس الاحتياطي، الذي يسمح بالإبقاء على الأفراد في السجن دون محاكمة.
كما تهدد حرية التعبير، التي تحميها المادة 19 من العهد، بشكل خطير، كما تشهد على ذلك القيود المفروضة على شخصيات مثل كريم طابو وعلي بن حاج. كما يتم انتهاك المادة 22، التي تضمن حرية التجمع، بشكل منهجي، وخاصة من خلال تطبيق التشريعات المناهضة للإرهاب التي تساوي أي شكل من أشكال الاحتجاج السلمي بالتخريب أو الإرهاب.
وتفاقمت هذه الانتهاكات للحقوق الأساسية من خلال تبني قوانين قمعية مثل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، التي تساوي أي دعوة لتغيير النظام بـ “الإرهاب”. يتم استخدام هذه الأحكام لتبرير احتجاز النشطاء السلميين وإسكات أي شكل من أشكال المعارضة. شدد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التجمع على ضرورة رفع الجزائر هذه القيود والالتزام بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
كما أن هذه الانتهاكات للحريات الأساسية تنتهك المادة 25 من العهد، التي تضمن حق المواطنين في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، بما في ذلك من خلال انتخابات حرة. في السياق الحالي، حيث يؤثر القمع على جميع قطاعات المجتمع المدني والحركات السياسية، تتعرض نزاهة الانتخابات لخطر كبير. القدرة على الشعب الجزائري على ممارسة حقه في تقرير المصير، الحق الذي ضحى من أجله العديد من الأرواح خلال الكفاح من أجل الاستقلال، مهددة بشكل مباشر.
وفقاً للأستاذ مسلي: “دون ضمان هذه الحريات الأساسية، فإن طموح الشعب الجزائري إلى تقرير مصيره يتعرض لخطر كبير، مما يجعل اليوم أي انتخابات عديمة الجدوى”.
إنكار الحق الجماعي غير القابل للتصرف للشعب الجزائري في تقرير المصير
لا تقتصر هذه الممارسات القمعية، التي تؤثر على جميع قطاعات المجتمع المدني والحركات السياسية المختلفة، على انتهاك الحقوق الفردية؛ بل تقوض بشكل مباشر حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.
تعتبر الحريات الأساسية، التي يحميها العهد، مرتبطة جوهريًا بقدرة الشعب على ممارسة حقه في تقرير المصير. بدون إمكانية التعبير بحرية، والتجمع للدفاع عن القضايا المشتركة، والمشاركة بشكل كامل وعادل في الحياة السياسية لبلدهم، يتم منع الجزائريين من تحقيق الطموح الذي ضحى من أجله العديد من مواطنيهم منذ بداية الكفاح من أجل الاستقلال.
في الواقع، ينص العهد على حق تقرير المصير في مادته الأولى ويجعله الهدف من ممارسة جميع الحقوق والحريات الأساسية التي يحميها العهد. حق الشعوب في تقرير مصيرها ليس فقط ركيزة من ركائز القانون الدولي بل هو أيضًا أساس تاريخي وأخلاقي للشعب الجزائري، الذي يعد نضاله من أجل الاستقلال جزءًا لا يتجزأ من تاريخه وهويته.
ختم الأستاذ مسلي قائلاً: “من المفارقات العميقة أن السلطات الجزائرية تعلن هذا المبدأ على الساحة الدولية بينما تنتهكه ضد شعبها. الطموح الجزائري في إدارة شؤونه الخاصة، واختيار مصيره السياسي بحرية، والتمتع الكامل بحقوقه الأساسية، متجذر في تاريخ من النضال من أجل تقرير المصير والكرامة – وهي حقوق غير قابلة للتصرف لا يمكن لأي شخص أن يسلبها منه.”
في ضوء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأفراد والجماعات في الجزائر من قبل السلطات، قررت منظمة الكرامة تنبيه الخبراء التاليين بشكل عاجل حول الوضع:
- المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير.
- المقررة الخاصة المعنية بالحق في التجمع السلمي وحرية التنظيم.
- المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.
- فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي.
- المقررة الخاصة المعنية باستقلالية القضاة والمحامين.
- المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب.
- المقررة الخاصة المعنية بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
- المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والتعويضات وضمانات عدم التكرار.