العلاقات بين الجزائر وفرنسا محفوفة بتاريخ معقد يجمع بين الاستعمار وحرب الاستقلال وتوترات مستمرة بشأن قضايا الذاكرة والسياسة. منذ استقلال الجزائر عام 1962، حاولت الدولتان بناء شراكة بناءة، إلا أن الخلافات التاريخية وتضارب المصالح غالباً ما أعاقا هذه الجهود.
آخر فصول هذه الأزمة الدبلوماسية تصاعدت مع استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتيه، من قبل وزير الخارجية الجزائري. جاءت هذه الخطوة في أعقاب اتهامات موجهة لفرنسا بالتواطؤ في “عمليات عدائية” تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر. وقد عبّر الوزير عن “الرفض القاطع” لما وصفته السلطات الجزائرية بأنه استفزازات غير مقبولة.
الاتهامات الموجهة لفرنسا خطيرة. ووفقاً لوسائل إعلام جزائرية، تشير الحكومة بأصابع الاتهام إلى المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) الفرنسية، باعتبارها المسؤولة عن تنظيم تحركات تستهدف خلق الفوضى داخل الجزائر. وتتحدث التقارير عن حملة لتجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر، مما يعكس رغبة مفترضة في زعزعة استقرار البلاد. يأتي ذلك في سياق إقليمي هش أصلاً، حيث تتزايد التوترات السياسية والاجتماعية بفعل قضايا الأمن.
صحيفة المجاهد الجزائرية ذكرت أن هذه الاتهامات ترافقها أحداث حديثة، أبرزها اجتماعات عقدت في مباني السفارات الفرنسية، حيث يُقال إن أفراداً معروفين بعدائهم للمؤسسات الجزائرية التقوا بدبلوماسيين فرنسيين. وقد فسرت الحكومة الجزائرية هذه التحركات على أنها اعتداء على سيادتها الوطنية.
أحد العوامل التي فاقمت هذه الأزمة هو التقارب بين فرنسا والمغرب، خصوصاً فيما يتعلق بالاعتراف بالصحراء الغربية كجزء من الأراضي المغربية. هذا الموقف، الذي يُعتبر دعماً مباشراً للمغرب، أثار استياءً عميقاً في الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو في نضالها من أجل تقرير المصير. ويعتبر هذا الدعم التاريخي للبوليساريو نقطة خلاف رئيسية، مما يزيد من حدة التوترات بين باريس والجزائر.
تعزيز فرنسا لعلاقاتها مع المغرب، وهو خصم تاريخي للجزائر، زاد من مخاوف الجزائر بشأن دورها وتأثيرها في المنطقة. وتعتبر السلطات الجزائرية هذا التقارب تهديداً مباشراً لأمنها القومي ودورها القيادي في دعم القضية الصحراوية.
كما أن اعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي الشهير، بوعلام صنصال، مؤخراً بتهم تتعلق بالمساس بالوحدة الترابية، أضاف بعداً آخر لهذه الأزمة. هذا الاعتقال أثار ردود فعل في فرنسا، حيث أعرب الرئيس إيمانويل ماكرون وشخصيات سياسية أخرى عن قلقهم. وقد عمّق هذا الحدث من انعدام الثقة بين البلدين، اللذين يعانيان بالفعل من تصاعد الخطاب العدائي والإجراءات المتبادلة.
أما رد فرنسا على هذه الاتهامات، فقد كان متوازناً. فقد رفض الدبلوماسيون الفرنسيون هذه الادعاءات ووصفوها بأنها لا أساس لها، مع التأكيد على رغبتهم في الحفاظ على حوار مفتوح مع الجزائر. لكن التوتر السائد يجعل أي محاولة للتقارب صعبة. وإذا لم يتم حل هذه الخلافات بسرعة، فإنها قد تؤثر على العديد من مجالات التعاون، بما في ذلك الأمن والتبادلات الثقافية والعلاقات الاقتصادية.
التوترات بين الجزائر وفرنسا تحظى أيضاً باهتمام المراقبين الإقليميين والدوليين. فقد تتجاوز تداعيات هذه الأزمة النطاق الثنائي لتؤثر على المشهد الجيوسياسي في شمال إفريقيا، حيث ترتبط قضايا الأمن والهجرة والتعاون الاقتصادي بشكل وثيق.
استدعاء السفير الفرنسي يعكس مرحلة حرجة جديدة في العلاقات بين الجزائر وباريس. بين الاتهامات بالتدخل الفرنسي، والتحالفات الإقليمية مع المغرب، والتوترات المحيطة بقضية بوعلام صنصال، تواجه هذه العلاقة تحديات متعددة. وسيعتمد مستقبل التعاون بين البلدين على قدرتهما على تفضيل الحوار وإيجاد حلول دبلوماسية. وفي ظل الظروف العالمية الحالية، تُعد التهدئة السريعة أمراً ضرورياً لتجنب تداعيات أكثر خطورة.