روتشيلد، الجزائر ودماء الإمبراطورية: النهب المموّل لعام 1830

تنهض الأمم والإمبراطوريات والممالك ثم تسقط، وتُحمل راياتها بعيدًا بواسطة الرياح القاسية للتاريخ. تنهار العروش، وتتحلل معالم المجد إلى غبار، وتنسى أسماء الفاتحين العظام الذين كانت أسماؤهم تتردد في أرجاء الأرض في أصداء الزمن. ومع ذلك، وسط خرائب الحضارات، يظل أحد القوى سليمًا، أبديًا في هيمنته: البنوك.

في الأماكن التي تتعثر فيها الإمبراطوريات، وتختفي الأمم في النسيان، تستمر البنوك، ثابتة في سعيها للثروة، وخاصة بنوك النهب – المهندسون الصامتون للإمبراطوريات، والهياكل الداعمة غير المرئية التي تُخاض عليها الحروب وتُنهب الكنوز. من رماد السلالات المنهارة، تستمر خزائنها في الامتلاء بكنوز الأراضي البعيدة، وسجلاتها تتضخم بثروات النهب. لأنه إذا كانت التيجان تتغير بين الأيدي وتُعاد رسم الحدود، فإن تدفق الذهب يبقى ثابتًا.

عندما أعلنت فرنسا عن الجزائر عام 1830، لم يكن العلم الثلاثي الألوان هو الوحيد الذي يرفرف بشكل منتصر فوق مدينة الجزائر التي تم احتلالها، بل كان أيضًا راية غير مرئية للمصرفيين الذين موّلوا هذه القضية المظلمة. في قلب هذه الصفقة الإمبريالية كانت توجد بنك روتشيلد، هذا المعلم الأكثر دوامًا في المالية الحديثة، الذي لم يرافق الجيش الفرنسي فحسب، بل سهل تقدمه، موّل حرب النهب التي ستدون للأبد بداية كابوس الاستعمار الجزائري الدامي. لأن كل جريمة كبيرة تحتاج إلى ممولين، واحتلال الجزائر، هذا الجوهرة اللامعة في البحر الأبيض المتوسط، لم يكن استثناءً.

الجريمة ضد الجزائر: المشهد مُعد

لا ننخدع بالذريعة الضعيفة لحادث المروحة، تلك اللحظة في عام 1827 عندما ضرب داي الجزائر القنصل الفرنسي بمروحة بسبب الديون غير المدفوعة. لم تكن هذه المناوشة الدبلوماسية الطفيفة سوى ذريعة، ديكورًا مسرحيًا في مؤامرة إمبريالية أوسع. كانت فرنسا، المتذبذبة على حافة الفوضى السياسية، ترى في الجزائر فرصة لتحويل انتباه شعبها القلق، لإبعاد الانتباه عن إخفاقات نظام شارل العاشر، وملء خزائنها بثمار النصر الذهبية. لكن لا تظنوا أن هذه كانت مجرد حرب انتقام لشرف دبلوماسي مهان. كانت جريمة مدروسة بدقة، والجريمة بهذه الضخامة تحتاج إلى تمويل.

نهب الجزائر: ثروات لا تُقدر بثمن

عندما اقتحمت القوات الفرنسية أسوار الجزائر في 5 يوليو 1830، لم تجد مدينة مهجورة، بل كنزًا لا يُقدر بثمن. كانت القصبة في الجزائر، مقر السلطة العثمانية، مملوءة بالثروات التي تراكمت على مر القرون: الذهب، الفضة، المجوهرات، وغنائم القرصنة التي جعلت من الجزائر موضوعًا للخوف والغيرة عبر البحر الأبيض المتوسط. تقديرات الغنائم التي تم الاستيلاء عليها في ذلك اليوم تتراوح من 50 مليون فرنك إلى مبلغ ضخم قدره 100 مليون فرنك – ثروة تتجاوز بكثير عائدات الحرب المتواضعة التي بدأت بها فرنسا حملتها.

لكن ماذا تفعل، قد يُسأل، جيش ناهب بمثل هذه الثروات؟ الجواب لا يكمن في أيدي الجنود الذين سفكوا دماءهم للحصول عليها، بل في صالونات البنوك الأوروبية الفخمة. لأن بمجرد استخراج الكنز من الجزائر، لم يبقَ طويلاً في المخازن المتربة للجنرالات الفرنسيين. لا، تم نقله بسرعة إلى خزائن المؤسسات المالية الأقوى في ذلك الوقت. وهنا، في قلب هذه الشبكة المالية، كانت توجد بنك روتشيلد.

روتشيلد: مصرفيو إمبراطوريات الدم

آه، روتشيلد! تلك السلالة المصرفية الأكثر شهرة، التي يتردد اسمها في ممرات السلطة، والتي تأثيرها يتجاوز الحدود، وثروتها تجعل الجيوش تتحرك بسهولة كما تحرك الأسواق. في عام 1830، كانت عائلة روتشيلد هي العملاق الذي لا يُضاهى في المالية الأوروبية. من لندن إلى باريس، من فيينا إلى نابولي، بنى روتشيلد إمبراطورية من الذهب، إمبراطورية مدّت مجساتها إلى كل زاوية من السياسة والتجارة الأوروبية. وبينما كانت فرنسا تنخرط في مغامرتها الجزائرية، كانت بنك روتشيلد هو الذي يشحم عجلات الحرب بموارده التي تبدو غير محدودة.

لأن الحروب لا تُخاض فقط بالمجد – بل تُخاض بالائتمان، والائتمان يحتاج إلى بنوك. لم يكن بإمكان خزانة فرنسا، التي استنفدت بالفعل بسبب الأزمات الداخلية، تحمل تكلفة الحملة الجزائرية دون دعم الممولين. لعب روتشيلد، بفضل وصوله غير المتناهي إلى رؤوس الأموال الأوروبية، دورًا حاسمًا في ضمان القروض والتمويل اللازم لدعم الغزو. كانوا، بطريقة ما، الشركاء الصامتين في الاحتلال، موّلوا الذهب الذي دعم الرصاصات والبنادق التي شقت الطريق إلى الجزائر.

النهب والمالية: علاقة تكافلية

لكن العلاقة بين النهب والمالية ليست بسيطة. لم يقتصر دور روتشيلد على تمويل الغزو الفرنسي؛ بل استفادوا من نجاحه. لم تُترك الثروات الواسعة التي نُهبت من الجزائر لتتعفن في خزائن الدولة الفرنسية. بل تم ضخها بسرعة إلى الأسواق المالية، حيث أغنت من يتحكمون في تدفق رؤوس الأموال. وهنا، مع شبكتها الفريدة من البنوك والوسطاء، كانت روتشيلد في وضع مثالي للاستفادة من هذه الفرصة. أصبح كنز الجزائر، الذي كان في يوم من الأيام فخر السلاطين العثمانيين، الوقود الذي غذى محركات المالية الأوروبية.

ما أشد المفارقة، إذن، أن نفس المصرفيين الذين ساعدوا في تمويل غزو الجزائر استفادوا لاحقًا من نهبها. روتشيلد، الذين قدموا الأموال لشارل العاشر لتمويل مغامرته العسكرية، رأوا استثماراتهم تُعوّض عدة مرات بفضل غنائم الحرب. لكل فرنك نُهب من قصور الجزائر، وجدت جزءًا منه طريقه إلى خزائن البنوك الأوروبية، حيث تحول إلى توزيعات وأرباح. وهكذا، لم يكن احتلال الجزائر مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا ماليًا.

جريمة مكتوبة في السجلات المحاسبية

وهكذا، نرى النطاق الكامل للجريمة. لم يكن نهب الجزائر مجرد عمل عنف منفرد، انفصال مؤقت في نظام الأشياء. بل كان جزءًا من نظام أوسع – نظام الإمبريالية، الرأسمالية، الاستغلال – الذي يعتمد بقدر ما على حسابات المصرفيين الباردة بقدر ما يعتمد على وحشية الجنود. لولا دعم روتشيلد ومن هم على شاكلتهم، لربما لم يكن غزو الجزائر ليحدث. بدون دعمهم المالي، كانت القوات الفرنسية ستفتقر إلى الموارد اللازمة لدعم حملتها. وبدون خبرتهم في إدارة أرباح النهب، لم تكن ثروات الجزائر لتتحقق بالكامل.

بهذا المعنى، لم يكن روتشيلد مجرد متفرجين على الجريمة – بل كانوا الميسرين، الممولين، المستفيدين. حولوا الحرب إلى ربح، والنهب إلى استثمار. لم يكن كنز الجزائر، بعيدًا عن كونه شذوذًا، سوى إدخال آخر في سجلاتهم، معاملة أخرى في صفقة الإمبراطورية.

الخاتمة: اليد الخفية للمالية

عند التفكير في أحداث عام 1830، لا ننخدع بالسرديات الرومانسية للمجد العسكري والغزو. لم يكن سقوط الجزائر، ونهب ثرواتها، واستعباد شعبها عمل أبطال، بل عمل انتهازيين. وراء الواجهة اللامعة للنصر تكمن الحقيقة المظلمة للاستغلال، حقيقة جعلها ممكنة المصارف التي مولت الجريمة وجنت ثمارها.

لأن كل نهب، كل حرب، كل جريمة كبيرة تحتاج إلى بنك. وفي حالة الجزائر، كان هذا البنك هو بيت روتشيلد، الذي جعل ثروته النهب من مدينة وسبا. في سجلاتهم، تحولت دماء الجزائر إلى ذهب، وفي خزائنهم، وجد كنز الجزائر راحته الأخيرة، شهادة صامتة ليد المالية الخفية التي شكلت مسار الإمبراطوريات على مدى قرون.

بالنسبة لأولئك الذين يظنون أن قوة هذه المصارف النهابة قد ضعفت، الذين يتخيلون ببراءة أن القوى المالية العالمية قد خففت قبضتها على مصير الأمم، يكفي أن ننظر إلى دوامات العنف التي مرت بها الجزائر – وما زالت تمر بها. نفس الأيدي التي مولت نهب مدننا، نفس الخزائن التي امتلأت بثرواتنا المسروقة، لا تزال حاضرة، تسحب خيوط الصراع، الفقر، والخضوع.

العدو الأمس هو عدو اليوم. هو عدو الغد، العدو للأبد، يتربص في ظل كل أزمة، كل حرب، كل دورة دمار تجتاح أرضنا. طالما أن سجلاتهم تتضخم، طالما أن الذهب يتدفق، فإن هذه المصارف النهابة لن تختفي أبدًا – فهي مهندسو المعاناة الأبدية، السادة الصامتون والأبديون لعالم محطم.

خالد بولعزيز

 

المصادر:

.Ageron, Charles-Robert. Modern Algeria: A History from 1830 to the Present
.Cain, Peter J., and Anthony G. Hopkins. British Imperialism: Innovation and Expansion, 1688–1914
.Ferguson, Niall. The House of Rothschild: Volume 1: Money’s Prophets: 1798-1848
.Stora, Benjamin. Algeria: A Short History
.Sessions, Jennifer E. By Sword and Plow: France and the Conquest of Algeria
.Hidy, Ralph W. The House of Rothschild and the Rise of Modern Finance
.Piketty, Thomas. Capital and Ideology
.Mbembe, Achille. On the Postcolony

تعليق واحد

  1. يجب علينا التخلص من الخونة لولا الخونة ماستطاعو تدمير ونهب البلاد وسؤال المطروح أين هم رجال الجزائر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى