الجزائر العطشى: أمة غنية بالنفط، ضائعة في صحراء أولوياتها
تجد الجزائر، وهي أمة غنية بالنفط والغاز، نفسها بشكل متناقض تعاني من العطش. أزمة المياه في البلاد هي صراع يومي لسكانها، ومع ذلك يبدو أن النظام الجزائري يركز على النزاعات الخارجية، لا سيما قضية الصحراء المغربية ودعم جبهة البوليساريو. هذه الأولوية الخاطئة تحرف الانتباه عن المشاكل الداخلية الحادة وغير المحتملة. الثروة النفطية والغازية، بدلاً من تخفيف هذه الصعوبات الداخلية، تُهدر في مشاريع لا علاقة لها باحتياجات الشعب. يستكشف هذا المقال تعقيدات الوضع الحرج للمياه في الجزائر، وأولويات الحكومة، وسوء إدارة مواردها الطبيعية الكبيرة.
السياق التاريخي كانت علاقة الجزائر بالمياه دائمًا مليئة بالعقبات. تاريخيًا، جعل المناخ الجاف والظروف الجغرافية للبلاد من المياه سلعة ثمينة. قامت الحضارات القديمة في المنطقة بتطبيق طرق ذكية لجمع المياه والحفاظ عليها، ومع ذلك، يبدو أن الجزائر الحديثة تتراجع في هذا المجال. يظل نزاع الصحراء، المتجذر في عملية إنهاء الاستعمار في القرن العشرين، شوكة في خاصرة السياسة الجزائرية. وعلى الرغم من أن تحرير الصحراء الغربية هو قضية نبيلة، إلا أن الأهمية الممنوحة لهذا النزاع الخارجي غالباً ما تطغى على القضايا الداخلية الملحة مثل ندرة المياه.
الوضع الحالي لأزمة المياه اليوم، تُعد أزمة المياه في الجزائر صارخة. فالبلاد هي واحدة من أكثر الدول تضرراً من ندرة المياه في العالم. ووفقًا لإحصائيات حديثة، تراجعت كمية المياه المتاحة للفرد بشكل كبير، مما يضع ضغوطاً شديدة على الحياة اليومية. في المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة ووهران، أصبحت انقطاعات المياه أمرًا شائعًا، مما يجبر السكان على الاعتماد على المياه المعبأة باهظة الثمن أو انتظار وصول شاحنات المياه لساعات طويلة. أما المناطق الريفية فهي أكثر حرمانًا، حيث تصل المياه إلى بعض المناطق بضع مرات فقط في الشهر. يؤثر هذا النقص على الزراعة والنظافة والصحة العامة، مما يزيد من الفقر وعدم الاستقرار.
كان رد الحكومة الجزائرية خجولاً في أحسن الأحوال. على الرغم من بناء بعض محطات تحلية المياه، إلا أنها بعيدة عن تلبية احتياجات البلاد. وسوء الإدارة واضح في الصيانة الرديئة للبنية التحتية القائمة، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة بسبب التسريبات وعدم الكفاءة. إن غياب استراتيجية وطنية متماسكة بشأن المياه يزيد من تفاقم الأزمة، ويترك الملايين في حالة جفاف دائم.
أولويات الحكومة الخاطئة بدلاً من إعطاء الأولوية لأزمة المياه، لا يزال النظام الجزائري غارقاً في نزاع الصحراء. تُحوَّل موارد كبيرة لدعم جبهة البوليساريو، وهي منظمة تدعو لاستقلال الصحراء الغربية الخاضعة للسيطرة المغربية. وقد استنزف هذا النزاع الموارد المالية والاهتمام السياسي والجهود الدبلوماسية التي كان من الممكن توجيهها لتحسين الأوضاع الداخلية.
يمكن أن تحول الأموال المخصصة لقضية الصحراء بنية الجزائر التحتية للمياه. وبدلاً من ذلك، يتم إنفاق مليارات الدولارات على مأزق جيوسياسي. يكشف تخصيص الموارد هذا عن انفصال واضح بين أفعال الحكومة واحتياجات شعبها العاجلة. وبينما يقدم النظام هذه المعركة على أنها نضال من أجل العدالة وتقرير المصير، فإنها بالنسبة للعديد من الجزائريين تمثل سوء توزيع الأولويات.
سوء الإدارة الاقتصادية كان ينبغي أن تكون عائدات النفط والغاز الضخمة في الجزائر نعمة للأمة. ومع ذلك، غالبًا ما تُحوّل هذه الأموال إلى مشاريع تخدم مصالح القلة بدلاً من الصالح العام. الفساد مستوطن، حيث يختفي جزء كبير من عائدات النفط في جيوب المسؤولين وأقاربهم. يمتد سوء الإدارة الاقتصادية إلى قطاعات مختلفة، حيث يتم إطلاق مشاريع ضخمة بالكثير من الدعاية ولكن بفوائد ملموسة قليلة للجزائري العادي.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك بناء مبانٍ حكومية فخمة والإنفاق العسكري الذي لا يفعل شيئاً للتخفيف من المعاناة اليومية للشعب. وبينما تُضخ مليارات الدولارات في هذه المشاريع، تُترك الخدمات الأساسية مثل إمدادات المياه والصحة والتعليم تعاني من نقص حاد في التمويل. التفاوت بين ثروة البلاد وأوضاع المعيشة لمواطنيها صارخ، مما يغذي الاستياء والاحتجاجات.
تأثير ذلك على المجتمع الجزائري إن تأثير هذه الإخفاقات الحكومية على المجتمع الجزائري عميق. يزداد الاستياء العام، مع احتجاجات متكررة تسلط الضوء على إحباط الناس من تدهور أوضاعهم المعيشية. يؤدي نقص الضروريات الأساسية مثل الماء إلى تفاقم الشعور بالظلم والإهمال الذي يشعر به العديد من الجزائريين. هذا الاستياء يغذيه ثراء النخبة الظاهر، مما يخلق فجوة متزايدة بين الأغنياء والفقراء.
أصبحت المعركة اليومية من أجل المياه رمزاً للإخفاقات النظامية الأوسع. إنها ليست مجرد مسألة بنية تحتية، ولكنها مسألة حوكمة وأولويات وعقد اجتماعي أساسي بين الدولة ومواطنيها. ومع تفاقم أزمة المياه، فإنها تؤكد الحاجة الملحة لتغيير تركيز الحكومة وإعادة توجيه الموارد لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
الحلول المحتملة والتوصيات لحل أزمة المياه في الجزائر، هناك حاجة إلى نهج متعدد الجوانب. أولاً، يجب على الحكومة إعطاء الأولوية لتطوير وصيانة البنية التحتية المائية. يشمل ذلك إصلاح الأنظمة الحالية لتقليل التسريبات، وتوسيع محطات تحلية المياه، والاستثمار في ممارسات الإدارة المستدامة للمياه.
يمكن أن يؤدي تحويل الأموال من النزاع الصحراوي إلى المشكلات الداخلية إلى توفير الموارد المالية اللازمة. كما يجب على الحكومة طلب المساعدة الدولية والخبرة في إدارة المياه. تتمتع منظمات مثل البنك الدولي والعديد من المنظمات غير الحكومية بالخبرة والموارد للمساعدة في تنفيذ استراتيجيات إدارة المياه الفعالة.
الشفافية والمساءلة أمران حاسمان. يمكن أن يساعد إنشاء هيئات مستقلة للإشراف على تخصيص واستخدام عائدات النفط والغاز في الحد من الفساد وضمان استخدام الأموال للصالح العام. يمكن أن يؤدي إشراك الجمهور والمشاركة المجتمعية في قرارات إدارة المياه أيضًا إلى نتائج أكثر فعالية واستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون الإقليمي أمر أساسي. يمكن أن يوفر العمل مع الدول المجاورة بشأن الموارد والسياسات المائية المشتركة حلولاً أكثر شمولاً لمشكلة ندرة المياه. يمكن أن يساهم هذا النهج الإقليمي أيضًا في تهدئة التوترات الجيوسياسية، مما يسمح للحكومة بالتركيز بشكل أكبر على الرفاهية الوطنية.
أزمة المياه كشاهد يومي على مشاكل الحكم تقف الجزائر عند مفترق طرق. التناقض اللافت بين أولويات الحكومة والاحتياجات الملحة لشعبها لا يمكن تحمله. أزمة المياه الحالية هي شاهد يومي على مشاكل الحوكمة وسوء الإدارة الاقتصادية والأولويات الخاطئة. من الضروري أن يوجه النظام الجزائري انتباهه وموارده نحو حل الاحتياجات العاجلة لمواطنيه. يمكن أن يوفر الجهد المنسق فقط، والشفافية المتزايدة، وإعادة ترتيب الأولويات، للجزائر مستقبلاً مستداماً ومزدهراً. كما أن للمجتمع الدولي دوراً يلعبه، من خلال دعم الجزائر في تحدياتها والتأكد من أن ثروة البلاد تعود بالفائدة على جميع مواطنيها، وليس على قلة محظوظة فقط.
خالد بولعزيز.